كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


استشكل النهي عن مس الذكر بيمينه وعن الاستنجاء بها بأنه متعذر لأنه إن أمسك ذكره بيساره استنجى بيمينه وإن استنجى بيساره أمسك ذكره بيمينه فوقع في منهي بكل حال وأجيب بأنه يمسك الحجر بيمينه والذكر بيساره ويمسحه عليه ولا يحرك اليمين ‏(‏وإذا دخل الخلاء‏)‏ أي فبال أو تغوط ‏(‏فلا يتمسح‏)‏ أي يستنجي ‏(‏بيمينه‏)‏ بل يفعل ذلك بيساره لأن اليمين لما شرف وعلا واليسار لما خس ودنا ولأنه إذا باشر النجاسة بها فقد يذكر عند تناول الطعام ما باشر بيمينه فينفر طبعه‏.‏ وعلم بما تقرر أن معنى لا يتمسح بيمينه لا يجعلها آلة لاستعمال الماء والحجر الذي يستنجى به فإنه مكروه تنزيهاً أو تحريماً على ما تقرر أما الاستنجاء بها بمعنى جعلها بمنزلة الجامد فحرام غير مجزئ بها وباليسار بل وسائر أجزائه كما هو بين والنهي عن التمسح بها يشمل الفرجين ‏(‏وإذا شرب فلا يتنفس‏)‏ جملة خبرية مستقلة إن كانت لا نافية ومعطوفة إن كانت ناهية لكن لا يلزم من كون المعطوف عليه مقيداً بقيد كون المعطوف مقيداً به لأن التنفس لا يتعلق بحالة البول بل حكم مستقل‏.‏ وحكمة ذكره هنا أن غالب أخلاق المؤمنين التأسي بأفعال المصطفى صلى الله عليه وسلم وقد كان إذا بال توضأ وثبت أنه شرب فضل وضوئه والتنفس في الإناء خاص بحالة الشرب ‏(‏في‏)‏ داخل ‏(‏الإناء‏)‏ أي لا يخرج نفسه فيه بل يفصل القدح عن فيه ثم يتنفس لئلا يتقذر الماء أو نحوه به وليأمن خروج شيء تعافه النفس من الفم وكل ذي رئة يتنفس بالمعنى المذكور‏.‏ واعلم أن هذا لفظ الجماعة ولفظ أبي داود وحده وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً فيكره الشرب بنفس واحد تنزيهاً لأنه إذا استوفى شربه نفساً واحداً تكابس الماء في موارد حلقه وأثقل معدته فلهذا جاء في حديث يأتي الكباد من العب فإذا قطع شربه في أنفاس ثلاثة كان أنفع وأخف، ولا منافاة بين هذا وحديث أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثاً لأن المنهي التنفس في نفس الإناء وأما خارجه فلا نزاع في ندبه، نقله الولي العراقي عن ابن المنذر‏.‏

- ‏(‏حم ق 4 عن أبي قتادة‏)‏ الأنصاري واسمه الحارث أو النعمان أو عمرو بن ربعي‏.‏

507 - ‏(‏إذا بال أحدكم‏)‏ أي أراد أن يبول ‏(‏فليرتد‏)‏ أي فليطلب ‏(‏لبوله مكاناً ليناً‏)‏ لئلا يعود عليه رشاشه فينجسه كما مر ‏(‏د‏)‏ وكذا الطبراني ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري رمز المؤلف لحسنه وليس كما قال فقد قال شارح أبي داود ابن محمود ‏[‏ص 311‏]‏ حديث ضعيف لجهل الراوي وقال في المجموع حديث أبي موسى هذا ضعيف‏.‏

508 - ‏(‏إذا بال أحدكم‏)‏ أي فرغ من بوله ‏(‏فلينتر‏)‏ بمثناة فوقية لا مثلثة ‏(‏ذكره ثلاث نترات‏)‏ أي يجذبه بقوة فالاستبراء بذلك ونحوه مندوب فلو تركه واستنجى عقب الانقطاع ثم توضأ صح وضوءه وقيل واجب وأطيل في الانتصار له وحمل على ما لو غلب على ظنه حصول شيء لولا الاستبراء‏.‏ قال الومخشري‏:‏ والنتر جذب فيه جفوة ومنه نترني فلان بكلامه إذا شدّد ذلك وغلظ واستنتر طلب النتر وحرص عليه واهتم به‏.‏

- ‏(‏حم د في مراسيله ه‏)‏ في الطهارة ‏(‏عن عيسى بن يزداد‏)‏ الفارسي عن أبيه قال ابن عساكر ويقال ابن ازداد وهو ابن فساءة بفتح الفاء وسين مهملة مخففة أو مشدّدة وهمزة الفارسي قال أبو داود كالبخاري لا صحبة ليزداد فالحديث مرسل وفيه علة أخرى غير الإرسال أشار إليها عبد الحق وبينها ابن القطان فقال عيسى وأبوه لا يعرفان وقال ابن معين وابن أبي حاتم مجهولان وقال ابن الأثير مدار حديثه على زمعة بن صالح وقد قال البخاري ليس حديثه بالقائم وقال ابن حجر عيسى مجهول وأبوه مختلف في صحبته‏.‏

509 - ‏(‏إذا بال أحدكم‏)‏ أي أراد البول ‏(‏فلا يستقبل الريح‏)‏ حال بوله ندباً وفي رواية لا يستقبل الريح ببوله ‏(‏فيرده عليه‏)‏ أي لئلا يرده عليه فينجسه ويؤخذ منه أن الغائط المائع كالبول ‏(‏ولا يستنجي بيمينه‏)‏ لأنها أشرف العضوين فتنزه عن ذلك وتفضيل الناقص وإهانة الفاضل عدول عن العدل والله لا يأمر إلا بالعدل‏.‏

- ‏(‏ع و‏)‏ عبد الباقي ‏(‏ابن قانع‏)‏ في معجمه ‏(‏عن حضرمي‏)‏ بمهملة مفتوحة فمعجمة ساكنة وراء مفتوحة بلفظ النسبة ‏(‏ابن عامر‏)‏ الأسدي وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعراً من الأشراف ‏(‏وهو‏)‏ أي هذا الحديث ‏(‏مما بيض له‏)‏ أي لسنده ‏(‏الديلمي‏)‏ في مسند الفردوس لعدم وقوفه له على مخرج قال ابن حجر وإسناده ضعيف جداً‏.‏

510 - ‏(‏إذا بعثت‏)‏ أي أرسلت إلى عدو والخطاب لمن يصير إماماً أو نائبه ممن له ولاية بعث ذلك ‏(‏سرية‏)‏ هي طائفة من الجيش أقصاها أربع مئة تبعث للعدو وسميت به لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم من الشيء السري النفيس أو لأنهم ينفذون سراً أي خفية كذا قبل ورد بأن لام السر واو وهذه ياء فالأصح الأول ‏(‏فلا تنتقهم‏)‏ أي لا تنتقي الجلد القوي ‏(‏واقتطعهم‏)‏ أي ولكن خذ قطعة أي طائفة اقتطعها من الجند فيهم القوي والضعيف وابعثهم ‏(‏فإن الله ينصر القوم بأضعفهم‏)‏ كما فعل في قصة طالوت ‏{‏وما النصر إلا من عند الله‏}‏ لا بالقوة والشجاعة ‏{‏كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله‏}‏ وأما الأبطال والشجعان فيغلب عليهم الزهو والاعجاب وقصر النظر على الأسباب فإن تمحض الجيش من هؤلاء خيف عليهم عدم الظفر لعدم اعتمادهم على الله سبحانه وتعالى وملاك النصر والورع في التناول باليد وذلك في صعاليك المؤمنين أغلب وكل سرية غلب عليها الورع والزهد فإلى النصر أقرب ولهذا قيل لعليّ كرم الله وجهه ما بال فرسك لم يكب بك قط قال ما وطئت به زرع مسلم قط قالوا وأعظم السرايا سرية فيها من أهل الورع بعدد التائبين من أصحاب طالوت الذين كان بعددهم أهل بدر وهذا من الآداب الحربية والأحكام السلطانية‏.‏

- ‏(‏الحارث‏)‏ ابن محمد الشهير بابن أبي أسامة التميمي ‏(‏في مسنده عن ابن عباس‏)‏ رضي الله عنهما بإسناد ضعيف لكن له شواهد‏.‏

511 - ‏(‏إذا بعثتم إليّ رجلاً‏)‏ وفي رواية بدله بريداً وفي أخرى رسولاً ‏(‏فابعثوه حسن الوجه‏)‏ لأن الوجه القبيح مذموم ‏[‏ص 312‏]‏ والطباع عنه نافرة وحاجات الجميل إلى الإجابة أقرب وجاهة في الصدور أوسع وجميل الوجه يقدر على تنجز الحاجة ما لا يمكن القبيح وكل معين على قضاء الحوائج في الدنيا معين على الآخرة بواسطتها ولأن الجمال أيضاً يدل غالباً على فضيلة النفس إذ نور النفس إذا تم إشراقه تأدى إلى البدن فالمنظر والمخبر كثيراً ما يتلازمان ولذلك عول أهل الفراسة في معرفة مكارم النفس على هيآت البدن وقالوا الوجه والعين مرآة الباطن ولذلك يظهر فيه أثر الغضب والسرور والغم‏.‏ ومن ثم قيل طلاقة الوجه عنوان ما في النفس‏.‏ واستعرض المأمون جيشاً فعرض عليه رجل قبيح فاستنطقه فوجده ألكن فأسقط اسمه من الديوان وقال الروح إن أشرق على الظاهر فصباحة أو على الباطن ففصاحة وذا ليس له ظاهر ولا باطن ولهذا قال تعالى مثنياً ‏{‏وزاده بسطة في العلم والجسم‏}‏ قال الغزالي‏:‏ وليس يعني بالجمال ما يحرك الشهوة فإنه أنوثة وإنما عني ارتفاع القامة على الاستقامة مع الاعتدال في اللحم وتناسب الأعضاء وتناصف خلقة الوجه بحيث لا تنبو الطباع عن النظر إليه ‏(‏حسن الاسم‏)‏ لأجل التفاؤل فإن الفأل الحسن حسن وبين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلما تخلف ذلك فإن الألفاظ قوالب المعاني والأسماء قوالب المسميات فقبيح الاسم عنوان قبح المسمى كما أن قبح الوجه عنوان قبح الباطن وبه يعرف أن ذا ليس من الطيرة في شيء وأهل اليقظة والانتباه يرون أن الأشياء كلها من الله فإذا ورد على أحدهم حسن الوجه والاسم تتفاءلوا به‏.‏

من كلامهم البليغ‏:‏ إذا قلت الأنصار كلت الأبصار وما وراء الخلق الدميم إلا الخلق اللئيم‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏طس‏)‏ وكذا العقيلي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ رضي الله عنه أورده ابن الجوزي في الموضوعات ولم يصب كما أن الهيثمي لم يصب في تصحيحه بل هو حسن كما رمز له المؤلف‏.‏

512 - ‏(‏إذا بلغ الماء قلتين‏)‏ بقلال هجر كما في رواية أخرى ضعيفة، وفي رواية‏:‏ إذا كان الماء قلتين‏.‏ وفيه مضاف محذوف أي ملأ قلتين، أو قدر قلتين وهما خمس قرب وقدرهما بالوزن خمس مئة رطل بغدادي تقريباً وبالحلبي تسع وثمانون رطلاً وثلاث أواق وخمسة وعشرون درهماً وخمسة أسباع درهم‏.‏ قال الولي العراقي عن شيخه البلقيني‏:‏ الأصح أنها تقريب أرطالاً، تحديد قرباً ‏(‏لم يحمل الخبث‏)‏ أي النجس يعني يدفعه ولا يقبله‏.‏ يقال‏:‏ فلان لا يحمل الضيم أي يدفعه عن نفسه، وزعم أن المراد أنه يضعف عن حمله فينجس بوقوعه فيه يرده رواية أي داود‏:‏ فإنه لا ينجس‏.‏ ورواية غيره لم ينجسه شيء‏.‏ على أن الضعف إنما يكون في الأجسام لا المعاني‏.‏ وفي الخبر من البلاغة والفخامة ما لا يخفى‏.‏ فإنه سئل عن الماء وما ينوبه من الدواب والسباع، فأورد الجواب معللاً بذكر السبب المانع من نجاسته وهو بلوغه قلتين، ولو أجابه بأنه طاهر أو نجس حصل الغرض لكنه عدل إلى الجواب المعلل المحدد لها فيه من زيادة البيان وتقرير البرهان وأنه لو لم يحدّه بذلك استوى القليل والكثير في الحكم، وذلك في محل الابهام‏.‏ ذكره ابن الأثير وغيره، قال القاضي‏:‏ والحديث بمنطوقه يدل على أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجس بملاقاة النجس وذلك إذا لم يتغير وإلا كان نجساً لخبر ‏"‏خلق الله الماء لا ينجسه شيء، إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه‏"‏ وبمفهومه على أن ما دونه ينجس بالملاقاة وإن لم يتغير لأنه علق عدم التنجيس ببلوغه قلتين، والمعلق بشرط يعدم عند عدمه ويلزم تغير الحالين في المتنجس وعدمه والمفارقة بين الصورتين حال التغير منتفية إجماعاً، فتعين أن يكون حين ما لم يتغير وذلك ينافي عموم الحديث المذكور، فمن قال بالمفهوم وجوز تخصيص المنطوق به كالشافعي خصص عمومه به، فيكون كل واحد من الحديثين مخصصاً للآخر ومن لم يجوز ذلك لم يلتفت إليه وأجرى الحديث الثاني على عمومه كمالك، فإنه لا ينجس الماء، إلا بالتغير قل أو كثر وهو مذهب ابن عباس وابن المسيب والحسن البصري وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء وعبد الرحمن بن أبي ليلى وجابر بن زيد ويحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي والأوزاعي وسفيان الثوري وداود ونقل عن أبي هريرة والنخعي، قال ابن المنذر‏:‏ وبهذا المذهب أقول، واختاره الغزالي في الإحياء والروياني في كتابيه البحر والحلية‏.‏ وطعنوا في حديث القلتين بأنه مشترك بين قلة الجبل وقامة الرجل وشموله نحو كوز وجرة والمشترك ‏[‏ص 313‏]‏ لا يصح حداً، ولأنه روي قلتان وثلاث وأربع، فالأخذ بالقلتين ترجيح بلا مرجح رد الأول بأنه للآنية لأنه أشهر في الخطاب وأكثر عرفاً، والثاني بأنه لما قدر بعدد دل على أنه أكثرها‏.‏ والثالث بأنه ورد من قلال هجر وهي تسع قربتين وشيئاً فحمل الشيء على النصف احتياطاً وخبر الثلاث والأربع على ما يقل باليد شك فيه الراوي، ومعنى لم يحمل خبثاً لم يقبله، لقوله تعالى ‏{‏حملوا التوراة ثم لم يحملوها‏}‏ أي لم يقبلوها للعمل بها ولأنه روى ‏"‏لا ينجس‏"‏ فحمل ‏"‏لم يحمل خبثاً‏"‏ على عدم قبول النجاسة جمعاً، ولأنه لولاه لم يكن لذكر القلتين وجه

- ‏(‏حم 3 حب قط ك‏)‏ وصححه ‏(‏هق‏)‏ كلهم ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض فلاة وما ينوبه وفي رواية ينتابه من السباع والدواب فذكره، وفي غالب الطرق لم يذكر أرض القلاة‏.‏ قال جدي في أماليه‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏ وقال شيخه العراقي‏:‏ سكت عليه أبو داود فهو صالح للاحتجاج وقول صاحب هداية الحنفية ضعفه أبو داود وهو وكفى شاهداً على صحته أن نجوم أهل الحديث صححوه ابن خزيمة وابن حبان، واعترف الطحاوي بصحته وقال المنذري‏:‏ إسناده جيد لا غبار عليه، والحاكم على شرطهما وابن معين جيد، والنووي في الخلاصة صحيح والبيهقي موصول صحيح، ولم ير الاضطراب فيه قادحاً، قال ابن حجر‏:‏ أطنب الدارقطني في استيعاب طرقه وجود ابن دقيق العيد في الإمام الكلام عليه، ووافق الشافعي على العمل به أحمد، دون الإمامين‏.‏

513 - ‏(‏إذا تاب العبد‏)‏ أي الإنسان المكلف توبة صحيحة بأن ندم وأقلع وعزم أن لا يعود وردّ المظالم ‏(‏أنسى الله الحفظة‏)‏ وهم المعقبات ‏(‏ذنوبه‏)‏ بأن يمحوها من أفكارهم وصحفهم‏.‏ وفي رواية‏:‏ بدله ما كان يعمل ‏(‏وأنسى ذلك جوارحه‏)‏ جمع جارحة‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ جوارح الإنسان عوامله من يديه ورجليه، والمراد هنا أعضاؤه وأجزاؤه المعينة بآية ‏{‏يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم‏}‏ وبآية ‏{‏وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا‏}‏ ‏(‏ومعالمه‏)‏ جمع معلم وهو الأثر من الأرض‏:‏ أي آثاره منها يعني المواضع التي اقترف السيئات فيها‏.‏ قال الومخشري‏:‏ تقول هو من أعلام العلم الخافقة ومن أعلام الدين الشاهقة وهو معلم الخير ومن معالمه أي مظانه، وخفيت معالم الطريق أي آثارها المستدل بها عليها‏:‏ يعني أنساها ذنوبه أيضاً فلا تشهد عليه يوم القيامة ‏(‏حتى‏)‏ هي وإن كانت غائبة فيها معنى التعليل أي لأجل أن ‏(‏يلقى الله‏)‏ والحال أنه ‏(‏ليس عليه شاهد من الله‏)‏ من قبل الله ممن جعل لهم الشهادة عليه من الحفظة والجوارح والبقاع ‏(‏بذنب‏)‏ وذلك لأنه تعالى هو الآمر بالتوبة وهو يحب التوابين ويحب المتطهرين وهو الذين رجعوا إليه وطهروا بقربه من أرجاسهم فإذا تقربوا إليه بما يحبه أحبهم وإذا أحبهم غار عليهم أن يظهر أحد على نقص أو على خلل فيهم ويسبل عليهم ستره الأعظم، ومن شأن الآدميّ إذا أحب إنساناً ثم استقبله في طريق وهو ثمل التفت هكذا وهكذا هل يراه أحد ثم ستره وأدخله منزله فأنامه إشفاقاً عليه وإكراماً أن يراه أحد على تلك الحالة، فما ظنك بالغفار الستار‏؟‏ فإذا قبل توبة عبده أنسى الخلق ذنوبه وسبل عليه ستر الوقار لينظر إليه بعين الإجلال لا الاحتقار، وذلك لأن المؤمن عليه لباس التقوى وهو وقايته وهو بين الخلق في ذلك اللباس موقر ومهاب وتقواه لا ترى وإنما يرى طلاوة ذلك اللباس وزهوته فإذا أذنب فقد تدنس اللباس وذهب ذلك الوقار فإذا تاب أنسى الله الحفظة وجوارحه ذلك لتعود له المهابة والإجلال

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه والحكيم في نوادره ‏(‏عن أنس‏)‏ ورواه عنه أيضاً الأصبهاني في ترغيبه وضعفه المنذري‏.‏

514 - ‏(‏إذا تبايعتم بالعينة‏)‏ بكسر العين المهملة وسكون المثناة تحت ونون‏:‏ وهو أن يبيع سلعة بثمن معلوم لأجل ثم ‏[‏ص 314‏]‏ يشتريها منه بأقل ليبقى الكثير في ذمته، وهي مكروهة عند الشافعية والبيع صحيح وحرمها غيرهم تمسكاً بظاهر الخبر، سميت عينة لحصول العين أي النقد فيها ‏(‏وأخذتم أذناب البقر‏)‏ كناية عن الاشتغال عن الجهاد بالحرث ‏(‏ورضيتم بالزرع‏)‏ أي بكونه همتكم ونهمتكم ‏(‏وتركتم الجهاد‏)‏ أي غزو أعداء الرحمن ومصارعة الهوى والشيطان ‏(‏سلط الله‏)‏ أي أرسل بقهره وقوته ‏(‏عليكم ذلاً‏)‏ بضم الذال المعمجة وكسرها ضعفاً واستهانة ‏(‏لا ينزعه‏)‏ لا يزيله ويكشفه عنكم ‏(‏حتى ترجعوا إلى دينكم‏)‏ أي الاشتغال بأمور دينكم، وأظهر ذلك في هذا القالب البديع لمزيد الزجر والتقريع حيث جعل ذلك بمنزلة الردة والخروج عن الدين، وهذا دليل قوي لمن حرم العينة ولذلك اختاره بعض الشافعية وقال أوصانا الشافعي باتباع الحديث إذا صح بخلاف مذهبه‏.‏

- ‏(‏د ه‏)‏ في البيوع ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال أتى علينا زمان وما يرى أحدنا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم ثم أصبح الدينار والدرهم أحب إلى أحدنا من أخيه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فذكره، رمز المؤلف لحسنه وفيه أبو عبد الرحمن الخراساني واسمه إسحاق عدّ في الميزان من مناكيره خبر أبو داود هذا ورواه عن ابن عمر باللفظ المزبور أحمد والبزار وأبو يعلى‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وسنده ضعيف وله عنه أحمد إسناد آخر أمثل من هذا اهـ‏.‏ وبه يعرف أن اقتصار المصنف على عزوه لأبي داود من سوء التصرف فإنه من طريق أحمد أمثل كما تقرر عن خاتمة الحفاظ وكان الصواب جمع طرقه فإنها كثيرة عقد لها البيهقي باباً وبين عللها‏.‏

515 - ‏(‏إذا تبعتم الجنازة‏)‏ أي مشيتم معها مشيعين لها والجنازة اسم للميت في النعش ‏(‏فلا تجلسوا‏)‏ ندباً ‏(‏حتى توضع‏)‏ بالأرض كما في أبي داود عن أبي هريرة وتبعه النووي ورجحه البخاري بفعل الراوي أو باللحد كما رواه أبو معاوية عن سهل وذلك لأن الميت كالمتبوع فلا يجلس التابع قبله ولأن المعقول من ندب الشرع لحضور دفنه إكرامه وفي قعودهم قبل دفنه إزراء به‏.‏ هذا في حق الماشي معها أما القاعد بالطريق إذا مرت به أو على القبر إذا أتي بها فقيل يقوم وقيل لا وقد صح عن المصطفى أنه قام وأمر بالقيام وصح أنه قعد فقيل القيام منسوخ والقعود آخر الأمرين وقيل هما جائزان وفعله بيان للندب وتركه للجواز قال ابن القيم وهو أولى من دعوى النسخ ولهذا اختار في المجموع القيام من حيث الدليل لكن جرى في الروضة على الكراهة من حيث المذهب‏.‏

- ‏(‏م‏)‏ ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

516 - ‏(‏إذا تثاءب‏)‏ بهمزة بعد الألف قال القاضي‏:‏ وبالواو غلط‏.‏ أي فتح فاه للتنفس لدفع البخار المختنق في عضلات الفك الناشئ عن نحو امتلاء ‏(‏أحدكم فليضع‏)‏ ندباً حال التثاؤب ‏(‏يده‏)‏ أي ظهر كف يسراه كما ذكره جمع ويتجه أنه للأكمل وأن أصل السنة يحصل بوضع اليمين‏.‏ قيل لكنه يجعل بطنها على فيه عكس اليسرى ‏(‏على فيه‏)‏ ستراً على فعله المذموم الجالب للكسل والنوم الذي هو من حبائل الشيطان‏.‏ وفي معنى وضع اليد وضع نحو ثوب مما يرد التئاؤب فإن لم يندفع إلا باليد تعينت والأمر عام لكنه للمصلي آكد، فالتقييد به في بعض روايات الصحيحين لذلك لا لإخراج غيره ولذاكره للمصلي وضع يده على فيه إذا لم تكن حاجة كالتئاؤب ونحوه، ثم علل النهي بقوله ‏(‏فإن الشيطان يدخل‏)‏ جوفه إذا فتح فاه والمراد بالشيطان إبليس أو واحد يسمى خترب كمنبر موكل بذلك أو الجنس ‏(‏مع التئاؤب‏)‏ يعني يتمكن منه في تلك الحالة ويغلب عليه أو يدخله حقيقة ليثقل عليه صلاته ليخرج منها أو يترك الشروع في غيرها بعدها، وخص هذه الحالة لأن الفم إذا انفتح لشيء مكروه شرعاً صار طريقاً للشيطان والأول أقرب فإن الشيطان متمكن من جوف ابن آدم يجري منه مجرى الدم، وورد أنه واضع خطمه على قلبه فإن ذكر الله خنس وإن نسي التقمه ‏[‏ص 315‏]‏ وذلك الوسواس الخناس فالتارك لما أمر به من رد التئاؤب والإمساك بيده على فمه في حكم الغافل الناسي فيتمكن منه في هذه الحالة‏.‏ وفي حديث الطبراني من أطاع الله فقد ذكره والممتثل للأمر ذاكر لله‏.‏ فهو ممنوع من الشيطان‏.‏

- ‏(‏حم ق د‏)‏ ‏(‏عن أبي سعيد‏)‏ الخدري‏.‏

517 - ‏(‏إذا تثاءب أحدكم‏)‏ أي عنّ له التثاؤب ‏(‏فليرده‏)‏ أي ليأخذ ندباً في أسباب رده لأن المراد أنه يملك دفعه ‏(‏ما استطاع‏)‏ رده ‏(‏فإن أحدكم إذا قال ها‏)‏ أي بالغ في التثاؤب فظهر منه هذا الحرف ‏(‏ضحك منه الشيطان‏)‏ أي حقيقة فرحاً بنفوذ تصرفه فيه أو هو كناية عن سروره وفرحه به وكلام النووي يميل للحقيقة وفيه ندب ترك كثرة الأكل التي هي سبب التثاؤب‏.‏ قال القاضي‏:‏ والتثاؤب تفاعل من الثوباء بالمد وهو فتح الحيوان فمه لما عراه من تمط وتمدد للكسل وامتلاء ولهذا السبب قيل ما تثاءب نبي قط‏.‏

- ‏(‏خ عن أبي هريرة‏)‏ وكذا رواه أبو داود عنه‏.‏

518 - ‏(‏إذا تثاءب أحدكم فليضع يده‏)‏ ندباً ‏(‏على فيه ولا يعوي‏)‏ بمثناة تحتية مفتوحة وعين مهملة وواو مكسورة أي لا يصوت ويصيح يقال عوى الكلب نبح والذئب يعوي بالكسر عواء بالمد والضم صاح قال الزمخشري‏:‏ فلان لا يعوي لا ينبح‏.‏ ومن المستعار عويت عن الرجل إذا اغتيب فرددت عنه عواء المغتاب انتهى ‏(‏فإن الشيطان يضحك منه‏)‏ شبه المسترسل في التثاؤب بعواء الكلب تنفيراً منه واستقباحاً له فإن الكلب يرفع رأسه ويفتح فاه ويعوي والمتثاءب إذا أفرط في التثاؤب أشبهه ومنه تظهر النكتة في كونه يضحك منه لأنه يصيره ملعبة له بتشويه خلقه في تلك الحالة‏.‏